[ad_1]
أبرزت الاحتجاجات التي اجتاحت الجامعات الأميركية تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة، الاختلافات بين الأجيال في الولايات المتحدة وتداعياتها على السياسات المستقبلية طويلة الأمد المرتبطة بالعلاقة الأميركية مع إسرائيل.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
وكان استطلاع للرأي أجرته جامعة هارفارد في كانون الأول/ ديسمبر/ الماضي، قد أظهر أن 60% من الشباب بين 18- 24 عاما يعتقدون أن هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر مبرَّر بسبب مظالم الفلسطينيين.
وفي نيسان/ أبريل الماضي أفاد استطلاع للرأي أجرته صحيفة “بوليتيكو” أن 15% فقط من الجيل الذي يصطلح على تسميته بـ”جيل زد” والذي يضم الشباب المولودين منذ أواسط التسعينيات، أكثر تعاطفًا تجاه الإسرائيليين، مقارنة بـ40% بين الذين وُلدوا بين عامي 1946 و1964، وفي حين قال 24% من الشباب إن هذه قضية رئيسية من شأنها أن تؤثر على أصواتهم، أبدى 11% فقط من الناخبين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما مثل هذا الاهتمام.
كما أيد حوالي 20% من جيل الشباب الأميركي توفير الأسلحة للفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم، مقابل 2% من المشاركين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا.
وفي نيسان/ أبريل أيضا، أفاد مركز “بيو” للأبحاث بأن ثلث البالغين من حتى 30 عامًا، قد أعربوا عن تعاطفهم كليًا أو جزئيا مع الشعب الفلسطيني، بينما أعرب 14% فقط عن تعاطفهم كليًا أو جزئيا مع الإسرائيليين.
وكان استطلاع أجراه معهد بروكينغز في تشرين الثاني/ نوفمبر، قد أظهر أنه حتى قبل عملية حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كانت هناك اختلافات واضحة بين الأجيال في مواقف الأميركيين تجاه إسرائيل، وأن 41% فقط من أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه إسرائيل، مقارنة بـ69% من الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر.
ويرجع العديد من الباحثين هذا التحول في أوساط الشباب الأميركي إلى العديد من الأسباب، من بينها تجاوز وسائل الإعلام التقليدية التي تتحكم بها الصهيونية واللوبي اليهودي والاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل مصدر المعلومات والإطار الأخلاقي للأشخاص الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية.
وتشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة على سبيل المثال، لديها أكبر عدد من مستخدمي “تيك توك” (116.5 مليون مستخدم)، ووفق استطلاع مركز “بيو”، فإن حوالي ثلث الشباب الأميركيين يحصلون على أخبارهم من تطبيق “تيك توك”.
ومع توافر المعلومات تلك، لا يمكن للشباب الأميركي أن يجهلوا حقيقة أن إسرائيل أبعد ما تكون عن كونها مستضعفة في المنطقة كما يتم تصويرها، فهي تمتلك أسلحة نووية، ولديها أحدث جيش في المنطقة، وتحصل على تفويض مطلق من واشنطن بأكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات العسكرية كل عام.
لإلقاء المزيد من الضوء حول هذا الموضوع، التقينا أستاذ الإعلام في جامعة ولاية ميشيغان الأميركية،*د.سليم حبش.
“عرب 48“: لا شك أن مستوى ونطاق الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها الجامعات الأميركية تضامنا مع الفلسطينيين واستنكارا للحرب الإسرائيلية على غزة، هي مؤشر، ربما، على تحولات جارية داخل المجتمع الأميركي؟
حبش: هناك تحولات ديمغرافية عميقة في أميركا، حيث تشير التقديرات أنه خلال 25- 30 عاما سيتحول المجتمع الأميركي إلى ما يمكن تسميته “أكثرية الأقليات”، وتشير بعض التقديرات إلى أن نقطة الحسم ستكون عام 2050 بفقدان البيض لوضعية الأغلبية السكانية التي تمتعوا بها على مدى قرون.
بالمجمل، المجتمع الأميركي يزداد تنوعا سواء بفعل المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة، أو بفعل زيادة تعداد غير البيض من المجموعات السكانية المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى تحول ثقافي أيديولوجي في الولايات المتحدة.
“عرب 48“: لكن يبدو أن هذا التحول لا ينعكس بعد في سياسة الدولة؟
حبش: هذا يعتمد على كيفية رؤيتنا لهذا التحول، فبعد انتشار حركة “مي تو” (أنا أيضا) النسوية وحركة “حياة السود مهمة” بعد مقتل الشاب الأسود جورج فلويد بأيدي الشرطة، شهد المجتمع الأميركي تحولات هامة، وأصبحت الأسئلة تثار في كل الميادين، كما تبلورت حالة من تنوع الثقافات والأصول الإثنية والعرقية، وازداد الوعي بعدم المساواة وغياب العدالة؛ وعلى الرغم من أننا نرى التنوع في مختلف المؤسسات إذا أن القيادات غالبا ما تكون من البيض.
“عرب 48“: بمعنى أنه ما زال هناك هيمنة للبيض رغم حالة التنوع التي تميز المجتمع؟
حبش: صحيح، لكن ما علاقة ذلك بالقضية الفلسطينية، فقد أضحى هناك هيكل مجتمعي ثقافي رافض الظلم وعدم الإنصاف ويريد العدالة لنفسه وللآخرين حول العالم، والنجاح الذي حققته الحركة الطلابية وحركة العدالة من أجل فلسطين، هو أنها استطاعت أن تعيد إنتاج القضية الفلسطينية كقضية شعب أصلي في فلسطين، وأن تظهر التداعيات المشتركة لقضية فلسطين كقضية شعب محتل ومقموع، مع الظلم الذي تواجهه الفئات المظلومة في الولايات المتحدة.
الطلاب الذين يتظاهرون يرون أن المشاكل التي نواجهها نحن هي جزء من هيمنة البيض، وهيمنة المجموعة المتنفذة في المجتمع، وبالتالي فهي تسرق الفرص من الناس غير البيض الذين لا ينتمون لهذه المجموعة.
“عرب 48“: ما تريد أن تقوله أن حركة الاحتجاج نجحت في خلق وحدة بين مختلف الفئات والمجموعات المظلومة والمضطهدة والمطالبة بالعدالة؟
حبش: من وجهة نظري أن هذه الظاهرة هي جزء من تبلور الجنوب العالمي الذي كان مستعمرا، ولم يأخذ حتى الآن فرصه المتساوية، وجرى تأطيره دائما على أنه أقل من وليس بنفس مرتبة المستعمرين الغربيين أو المستعمرين من الشمال.
أي أن هناك تداعيات بين الجنوب العالمي والشمال العالمي شكلت وعيا مستداما للقضية الفلسطينية، وجاءت الحرب على غزة في وقت تسود فيه مشاحنات بين جنوب العالم وشماله، وبدأنا نرى فيه وعي عالمي أوسع للعدالة.
“عرب 48“: مع ذلك فقد شاهدنا مشاركة واسعة من قبل الأميركيين البيض أيضا؟
حبش: هناك تضامن واسع من مختلف الأطياف مع النضال ضد النظام المهيمن، إن القضية ليست قضية خلاف بين البيض وغير البيض بل بين الناس الذين يتوجهون للعدالة وبين الناس المتمسكين بأطر الهيمنة.
هناك متضامنون بيض وهناك حركة توعوية عالمية، وفي الولايات المتحدة ترى أنه لا يمكن بقاء النظام غير العادل، الذي لا يستطيع أن يوفر حقوقا متساوية للجميع، وهي تطالب بالعدالة والتساوي والإنصاف.
“عرب 48“: هذا التحول ملموس أكثر في أوساط الشباب؟
حبش: صحيح، هناك دراسات جيلية تظهر تفاوتا بين الأجيال في الوعي لهذه القضايا، وفي الولايات المتحدة يتمتع الشباب بوعي أوسع بفعل التواصل العالمي الذي توفره لهم شبكات التواصل الاجتماعي.
الجيل الماضي كان يستقي معلوماته من وسائل الإعلام التقليدية، بينما يحصل هذا الجيل على المعلومات من مصادرها الأولية عبر الشبكات، دون أن تتعرض لمصفاة “سي إن إن” ومثيلاتها من المحطات والمواقع الواقعة تحت تاثير رأس المال الصهيوني أو غيره، فالأصوات التي لم تكن تُسمع من خلال الإعلام التقليدي، أصبح لها منابر خاصة بها يمكن لأي شاب الوصول إليها.
“عرب 48“: لكن ما سر إنطلاق حركة الاحتجاج من جامعات النخبة مثل هارفارد وكولومبيا؟
حبش: بعد الكورونا وهبة العدالة الاجتماعية التي شهدتها الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة، كان هناك تحولات جذرية نحو زيادة التنوع في الجامعات الأميركية، والحديث عن جامعات مثل هارفارد وكولومبيا فيها أكثرية من البيض بدأت تزيد من تنوع الهيئة الطلابية، من حيث الخلفيات الثقافية والإثنية والعرقية، واليوم هذه الجامعات فيها تنوع كبير.
“عرب 48“: بمعنى أن هناك تحولات ديمغرافية داخل جامعات النخبة أيضا؟
حبش: نعم، هناك تحول ديمغرافي في القاعدة الطلابية، يحصل بنفس الوتيرة الذي يحصل فيه تفكيك المفهوم الاستعماري في التعليم بالولايات المتحدة، فالطلاب اليوم يدرسون عن العدالة الاجتماعية عن الماضي الاستعماري في الولايات المتحدة وعن تاريخ معاملة السود، وذلك إلى جانب حصول حراكات فعلية لتغيير الواقع.
الشباب لا يريدون الاكتفاء بالكلام ويسعون إلى التوجه الفعلي نحو التغيير، وطلاب النخبة الذين يدرسون في هذه الجامعات متقدمين نسبة لباقي الجامعات ولديهم إطار تعليمي يوجههم نحو التفكير بالعدالة الاجتماعية.
“عرب 48“: هم يستندون، أيضا، على إرث نضالي راكمته تلك الجامعات خلال حرب فيتنام والتصدي لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا؟
حبش: كما أن رد فعل إدارات الجامعات يعزز التواصل بين الطلبة ويوحدهم خلف مواقف ومطالب مشتركة ومستجدة، حيث يرى طلاب نيويورك أن طلاب كاليفورنيا الموجودون في الشق الثاني من الولايات المتحدة، يواجهون نفس الصعوبات ويتعرضون لنفس الردود والقمع أيضا، وهو ما يعزز وحدتهم.
وما حصل أنه أنا الفلسطيني الذي كنت أشعر أنني وحيدا في التفكير بالعدالة التي تخص القضية الفلسطينية، لم يعد ينتابني هذا الشعور وأنا أشاهد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي هذا الزخم من التأييد لهذه المطالب.
المتضامنون مع القضية الفلسطينية باتوا يشعرون بأنهم قادرون على إحداث حراك مجتمعي، خاصة بعد أن أسقطت الحرب على غزة القناع الذي كان يغطي وجه إسرائيل في العالم وفي الغرب منه بشكل خاص.
لقد سقط هذا القناع وأسقط معه سنوات من الدعاية الصهيونية التي ادعت أن فلسطين أرض بدون شعب لشعب بدون أرض؛ أنا القادم من هذه البلاد لم أسمع أن فلسطين كانت صحراء إلا عندما جئت إلى الولايات المتحدة.
“عرب 48“: لكن بماذا تفسر تشدد إدارات الجامعات وتعاملها مع الطلبة المحتجين بهذا الشكل العنيف؟
حبش: هنالك عدة أمور تؤثر في ردود الفعل تلك، أولها اللوبي الإسرائيلي الذي يعمل منذ سنوات طويلة على دعم هذه الجامعات وتعزيز الموقف الإسرائيلي وطمس الموقف الفلسطيني داخلها، فأنت تواجه آلية منظمة بشكل هائل تسكن هذه الجامعات وتهدف إلى تدعيم موقف إسرائيل وطمس قضية فلسطين.
كما أن هناك دعم مالي حيث ترى أن مأسسة الموقف الإسرائيلي له مرادف مالي، حيث يتبرع المناصرون لإسرائيل بأموال لهذه الجامعات وهذه أمور مهمة، لأنه حتى الجامعات الحكومية أو العامة باتت لا تحصل على مبالغ كبيرة من حكومة الولايات وذلك بخلاف عقود سابقة، فقد باتت الجامعات تعتمد اليوم أساسا على أقساط التعليم التي ترتفع بشكل متزايد ولا تكفي لتحصين الجامعات ماديا، ما يضطرها لجمع أموال بأشكال مختلفة، منها تقديم مشاريع دعم من الحكومة الفيدرالية والمؤسسات إضافة إلى حملات لجمع التبرعات.
وكما هو معروف، فإن المال اليهودي هو عنصر أساسي في شراء النفوذ ليس في الجامعات فقط، ونحن العرب غير قادرين على ما يبدو على استيعاب أن الجامعات هي ليست طلاب فقط، بل هي تشكل الإطار الأخلاقي في الولايات المتحدة، فهي كما ذكرت منطلق الاحتجاجات ضد حرب فيتنام وضد نظام الفصل العنصري الذي ساد في جنوب إفريقيا وضد السياسات المتعلقة بالبيئة وتغيرات المناخ وغيرها.
“عرب 48“: ماذا بشأن الاستثمارات وأهميتها بالنسبة للجامعات؟
حبش: الاستثمارات توفر للجامعات مردود مادي مهم جدا، خصوصا بعد جائحة كورونا، بحيث اضطرت بعض الجامعات إلى إغلاق أبوابها لأنها لم تستطع أن تصمد ماليا، والحديث يجري عن مخاوف مالية كبيرة لدى الجامعات، خاصة أن هناك توقعات تشير إلى أن أعداد الطلاب في نقصان متواصل لأن المجتمع الأميركي هو مجتمع متشايخ، ما يخلق منافسة شديدة على تجنيد طلاب للجامعة.
من هنا فإن الاستثمارات مسألة مهمة لإدامة حياة الجامعة، وإسرائيل هي مصدر مهم لهذه الاستثمارات.
*سليم حبش: بروفيسور في دائرة الإعلام والعلاقات العامة في جامعة ولاية ميشيغان، ويشغل أيضًا منصب مدير الأبحاث في مركز مكافحة التزييف وحماية المنتجات. يرتكز بحثه العلمي على دراسة الإقناع الرقمي، حيث يركز في أبحاثه على دراسة تغيير الآراء والسلوكيات من خلال التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
حاز على درجة الماجستير في الإعلام الإستراتيجي وعلى درجة الدكتوراة في الصحافة والإعلام من جامعة ميسوري، وهو باحث ناشط ينشر أبحاثه في أهم المجلات الأكاديمية المحكمة، حاز على عدد من جوائز التقدير من أوساط المجال الأكاديمي والجامعي ويعتبر من نخبة الباحثين في الإعلام الرقمي.
[ad_2]
Source link