[ad_1]
في خطوة أوروبية لافتة أعلنت أيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميا الاعتراف بدولة فلسطين، في حين أبدت دول أخرى مثل سلوفينيا ومالطا اعتزامهما اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما اعتبر ثغرة في جدار الصد الأوروبي للحقوق الفلسطينية ولو بحدها الأدنى.
وفي ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة تطرح التساؤلات: هل يؤدي ذلك إلى اتساع رقعة الاعترافات الأوروبية؟ وأين تصب خطوات الاعتراف العالمية؟ وإلى أي مدى سيخدم ذلك نضال الشعب الفلسطيني الساعي للتخلص من الاحتلال؟
السياقات
رغم استخدام الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن الدولي في 18 أبريل/نيسان 2024 لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة فإن الجمعية اعتمدت في 10 مايو/أيار قرارا بأحقية فلسطين لهذه العضوية في الأمم المتحدة صوتت لصالحه 143 دولة وامتنعت 25 عن التصويت.
وجاءت خطوة إعادة وضع موضوع الدولة على الطاولة بعد أن رفعت عملية طوفان الأقصى شأن القضية التي كادت أن تذوب في ظل مسار التطبيع والتعاون الأمني بين الاحتلال والدول العربية ومع استمرار الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس.
وارتبطت أيضا برغبة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في إيجاد مخرج للحرب الإسرائيلية على غزة من خلال طرح مشروع حل سياسي للقضية الفلسطينية قائم على أساس الاعتراف الإسرائيلي بقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولكن ضمن سياق المفاوضات مع الفلسطينيين، مما يعني أن نتيجة المفاوضات سيحددها الطرف الأقوى وصاحب الأمر الواقع على الأرض، مما قد يفرغ مصطلح الدولة من مضمونه الحقيقي.
كما أراد بايدن مساعدة الكيان على الخروج من ورطته في غزة في سياق لا يفرض عليه شكلا محددا للكيان الفلسطيني الذي سيقوم، والذي قد لا يختلف كثيرا عن صيغة الكيان القائم في الضفة، بالإضافة إلى الاستفادة من هذه الأجواء لإطلاق حالة تطبيع عربية كإنجاز يحمله في سياق حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويمكن القول إن المقاربة التي عمل عليها بايدن اختلفت ولو شكليا على الأقل مع المقاربة التي عمل عليها سلفه دونالد ترامب ضمن مشروع صفقة القرن ووافقت عليه إسرائيل، حيث يدعو إلى حل القضية الفلسطينية بالمفاوضات المباشرة دون أن توضع الدولة الفلسطينية كهدف له، وفي إطار تطبيع عربي شامل عرف باتفاق أبراهام، وقد رفضت السلطة الفلسطينية هذا المشروع.
أما الآن وفي إطار حالة التشدد التي تجتاح إسرائيل بكل أطيافها السياسية فقد رفضت حكومة الاحتلال أن تتجاوب مع مطلب الإدارة الأميركية حتى ولو كان هذا المطلب شكليا ويوفر لها حالة من الاندماج في المنطقة برعاية أميركية، بل ويوفر لها مخرجا من الوضع الحالي في غزة، ويضمن تشغيل السلطة الفلسطينية (المتجددة) في الفراغ المحتمل أن ينشأ بعد نهاية الحرب.
من ناحيتها، حاولت السلطة الفلسطينية ركوب هذه الموجة من خلال تصعيد الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة التي تتمثل فيها بصفة مراقب منذ العام 2012 إلى دولة كاملة العضوية، في محاولة للاستفادة ثانية من تصاعد الاهتمام العالمي بحل القضية الفلسطينية إثر الحرب الإسرائيلية على القطاع، والسعي لاعتراف العالم بحق الفلسطينيين بدولة لهم على الأراضي المحتلة عام 1967.
دلالات الاعتراف
إن اعتراف 3 دول أوروبية بالدولة الفلسطينية هو مؤشر على بداية تفكك الموقف الأوروبي الداعم لإسرائيل، وهو الذي تمثل أيضا بمطالبة عدد من هذه الدول بوقف الحرب على غزة، على عكس الموقف الذي تشكل إثر 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأن عدد الدول التي ستعترف بفلسطين مرشح للارتفاع.
يذكر أن السويد كانت الدولة الأوروبية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بدولة فلسطين عام 2014، فضلا عن اعتراف 8 دول أخرى قبل انضمامها إلى الاتحاد، وهي بلغاريا وقبرص وجمهورية التشيك والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا ومالطا، في حين اعترفت آيسلندا والفاتيكان أيضا، وهما من خارج إطار الاتحاد.
وهذا يعني أنه خلال فترة قصيرة ستكون 13 دولة أوروبية قد اعترفت بالدولة الفلسطينية من أصل 27 دولة يضمها الاتحاد الأوروبي، وهذا بحد ذاته مكسب مهم لفلسطين وللقضية الفلسطينية، حيث يبلغ الآن العدد الإجمالي للدول التي تعترف بفلسطين 146 دولة من أصل 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة.
بل إن الدافع الأساس لموافقة عدد متزايد من الدول على الدولة الفلسطينية لا يعود فقط إلى ما جرى في طوفان الأقصى وما بعده، بل إن هناك رغبة من دول العالم بمعاقبة الكيان على ارتكابه المجازر ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب دون أن يجد رادعا.
وفي هذا السياق، جاء تصريح رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بأن “رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليس لديه مشروع سلام لفلسطين”، وذلك على الرغم من أن الدول الأوروبية المنتقدة للاعتراف ترى أنه “يمكن تفسير هذا الاعتراف من قبل حماس كمكافأة على إرهابها”.
وهذا يعني أن علاقات إسرائيل مع الجانب الأوروبي ستذهب إلى أزمات متتالية، خصوصا مع استعداد حكومة الاحتلال لاتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد الدول المعترفة.
كما أن الموقف الأميركي -الذي يشكل شبكة حماية سياسية للكيان- شهد هو الآخر تراجعا في سطوته وهيمنته بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأييد حق الفلسطينيين في الدولة، هذا فضلا عن خلافاته مع الكيان على قضية الدولة التي تمثل لب التحرك الأميركي الراغب بترتيب المنطقة والتمهيد للتفرغ لقضيتي الصين وروسيا، حيث بات يرى أن التشدد الإسرائيلي يشكل حجر عثرة أمام هذه الإستراتيجية.
ماذا سيستفيد الفلسطينيون؟
لجأت منظمة التحرير إلى إعلان قيام الدولة على الأراضي المحتلة عام 1967 فيما عرفت بوثيقة الاستقلال في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 كمحاولة من الزعيم الراحل ياسر عرفات لقطف ثمار الانتفاضة التي اندلعت في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، وذلك في إطار مسار سياسي بدأ ببرنامج النقاط العشر عام 1974، والذي دعا إلى إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء يتحرر من الأرض الفلسطينية.
وتحاول السلطة من خلال هذا التحرك الاستفادة من الدلالة القانونية للاعتراف، والتي تعني حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي كما نصت عليه مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وهذا يعني بالنتيجة أن الشعب الفلسطيني سيرفض التفاوض بشأن هذا الحق، ولكن هذا الأمر لم يمر عبر مجلس الأمن، ولا يتوقع له ذلك في ظل الفيتو الأميركي، وحيث لا توجد للفلسطينيين دولة قائمة على الأرض فإن الأمر سيظل خاضعا للتفاوض المباشر مع الاحتلال في ظل اختلال موازين القوى بالمنطقة، مع عدم التقليل من الدلالة الرمزية والسياسية التي لا تعني تغييرا على أرض الواقع.
كما أن السلطة الفلسطينية لا تزال تعتقد أن الطريق السياسي السلمي هو الأسلم لتحصيل هذا الحق، وهو الأمر الذي يتناقض مع المبدأ الذي قامت عليه عملية طوفان الأقصى من قبل حركة حماس، ولبرنامج المقاومة الذي تتبناه في الضفة وتحاربه السلطة.
ومن هنا، فإن التباين في المقاربات الفلسطينية، بل وسعي السلطة لمحاربة المقاومة يعيق دمج الجهود السياسية الفلسطينية لصالح الدولة المستقلة رغم أن حماس لم تعارضها كحل مرحلي دون أن تتنازل عن بقية الأرض الفلسطينية كما ورد في وثيقتها السياسية الصادرة عام 2017.
وبما أن الكيان لا يزال يعطل أي جهد للوصول إلى هذه المرحلة فإن هذا يعزز القناعة بأنه ما زال أمام الفلسطينيين المزيد من العمل المقاوم لتثبيت الحق الفلسطيني، ومحاولة ترتيب حاضنة وطنية للمقاومة تعمل على استثمارها سياسيا وفق برنامج وطني متفق عليه.
ولا شك أن استمرار عمل السلطة الفلسطينية بالآلية السلمية مع استبعاد العمل المقاوم وفي ظل معادلة مختلة مع الاحتلال لن يسفر عن نتائج تعزز الحقوق الفلسطينية، إذ سيفرض الكيان تصوره للكيانية التي تخص الفلسطينيين، والتي لا ترقى إلى مستوى الدولة على كامل أراضي الـ67 (كحد أدنى للطموح الفلسطيني).
ونذكّر هنا بأنه منذ التوقيع على اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر/أيلول 1993 وما تلاه من قيام حكم ذاتي فلسطيني في غزة وأريحا ليشمل الضفة الغربية لم يتمكن الفلسطينيون من خلال المفاوضات من الحصول على أي شكل من أشكال السيادة الحقيقية على أرضهم، وتم تأجيل مفاوضات الحل النهائي مرات عدة إلى أن وصلت هذه المفاوضات إلى طريق مسدود، وهي التي كان من المفترض أن يتم فيها بحث الشكل النهائي للكيان الفلسطيني الذي رفضت حكومات الاحتلال المتعاقبة أن يأخذ شكل دولة مستقلة.
وفي أحسن حالات التفاوض خلال مفاوضات كامب ديفيد عام 2001 عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت إقامة دولة منزوعة السيادة والسلاح، وبدون سيطرة على الموارد الطبيعية والأجواء والبحر، على أن يتنازل الفلسطينيون عن القدس، وهو ما رفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان سببا في اغتياله عام 2004.
ولذلك، وبدون تغيير موازين القوة فإن التحرك الدبلوماسي للدولة الفلسطينية يظل يكتسب الطبيعة الرمزية فقط، ولا يوجد أمل بتغيير الموقف الإسرائيلي إلا من خلال مواصلة النضال الفلسطيني بمختلف أشكاله، وأهمها المقاومة.
وربما من المفيد التذكر أن منظمة التحرير عجزت عبر عقود من التمثيل الدبلوماسي في عدد من العواصم العالمية عن رفع شأن الاهتمام العالمي بفلسطين، في حين نجحت “طوفان الأقصى” بذلك لأنها عبرت عن تصميم الفلسطيني على التمسك بحقوقه وكشفت أمام العالم بشاعة ما يقوم به الاحتلال.
[ad_2]
Source link