[ad_1]
يعقد التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ مؤتمره العامّ الثامن، الجمعة والسبت، في ظروف غير مسبوقة يمرّ بها الشعب الفلسطينيّ؛ الإبادة الجماعيّة في غزّة، التهجير والسيطرة على الأراضي ومطاردة المقاومين في الضفّة الغربيّة، والملاحقات السياسيّة والقمع في أراضي 48، وجميعها تطبّق من نظام واحد يواجه مأزقًا إستراتيجيًّا حقيقيًّا منذ السابع من أكتوبر.
ومؤتمر التجمّع الثامن قد يكون الأهمّ من بين مؤتمراته، إذ من المتوقّع أن يدشّن مرحلة جديدة في حياة الحزب، بعدما قرّرت قياداته المؤسّسة عدم الترشّح لأيّ منصب، وهو أمر غير مسبوق في الأحزاب، لتفتح المجال أمام طاقات حزبيّة نشأت في التجمّع منذ صباها، وأثبتت قدراتها السياسيّة والتنظيميّة. وقرار عدم الترشّح يستحقّ التقدير، ويؤكّد حجم المسؤوليّة الّتي عبّرت عنها القيادات بقرارها، ولكنّ هذا لا يعني انسحابها أو ابتعادها، بل دعمها للطاقات الحزبيّة وثقتها بها، خصوصًا في ظلّ الظروف السياسيّة الراهنة.
ولا شكّ في أنّ التجمّع في العام الأخير بات القوّة السياسيّة الوطنيّة الصاعدة، فقد تمكّن في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة من تجنيد نحو 140 ألف صوت خلال شهر بعد تآمر “شركاء الأمس” ليلة تقديم القوائم، وتظهر استطلاعات الرأي أنّ قوّته تتصاعد بشكل مستمرّ، وأنّ حضوره في الأوساط الشابّة والطلّابيّة هو الأقوى، وأنّ خطابه السياسيّ، دولة جميع مواطنيها والمساواة في الحقوق القوميّة، بات ركيزة أساسيّة ثابتة في الخطاب السياسيّ العربيّ، ولا يمكن تجاوزها، رغم سنوات من الحصار والملاحقة والأخطاء الذاتيّة.
وليست الفقرة السابقة من باب المديح و”الإطراء الذاتيّ”، بل هي تأكيد على ضرورة إدراك مؤتمر التجمّع المسؤوليّة الوطنيّة الملقاة عليه في تقوية الحزب والنهوض به لمواجهة تحدّيات مصيريّة يواجهها الفلسطينيّون المواطنون في إسرائيل، سواء التحدّيات السياسيّة والقمع، أو التحدّيات الاجتماعيّة مثل الجريمة الّتي باتت التهديد الأساسيّ لهويّة المجتمع وتماسكه وقدرته على الصمود والنضال، في موازاة مشاريع أسرلة اقتصاديّة لا تبعد في منطقها عن “صفقة القرن”، الّتي أرادت أن يقايض الشعب الفلسطينيّ حقوقه الوطنيّة والقوميّة بالمشاريع الاقتصاديّة. فالأسرلة الاقتصاديّة تريد “الملاذ الفرديّ” للمواطن الفلسطينيّ، لكن في مجتمع مفكّك ومشوّه، وتفصل الحقوق المدنيّة عن الحقوق القوميّة والهويّة الوطنيّة، وكأنّنا جاليات مغتربين تقبل بالفوقيّة اليهوديّة، وليس أنّ مواطنتنا وحقوقنا ناتجة عن كوننا أصحاب البلاد الأصليّين.
لذا، فإنّ الشقّ الأوّل من شعار التجمّع، “هويّة قوميّة ومواطنة كاملة”، بات اليوم أكثر راهنيّة وإلحاحًا، فعدا عن أنّ التأكيد على الهويّة الوطنيّة والقوميّة كان يهدف إلى مواجهة مشاريع الأسرلة على أنواعها، فإنّه اليوم بات ضرورة وجوديّة للحفاظ على المجتمع، وتنظّمه في مواجهة الجريمة الّتي هي وجه من أوجه مشاريع التهجير والهجرة، بحيث تصبح بلداتنا غير صالحة للمعيشة. فالتربية الوطنيّة للأجيال الناشئة هي مدماك أساسيّ في تحصين المجتمع من التحلّل الأخلاقيّ والاجتماعيّ والسياسيّ.
إنّ مشروع التجمّع الفكريّ والسياسيّ استشرف منذ تأسيسه قبل ثلاثة عقود المنحى الّذي يتّجه إليه المجتمع الإسرائيليّ، ونزوحه نحو اليمين واليمين المتطرّف، وصعود قوى دينيّة واستيطانيّة تريد الهيمنة على الدولة ومؤسّساتها، وترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينيّ، لذلك، قدّر منذ اتّفاقيّات أوسلو باستحالة قبول الإسرائيليّين بالتسوية الحقيقيّة والعادلة مع الفلسطينيّين، بل إنه استشرف بداية الألفيّة بأنّ التحوّلات السياسيّة في إسرائيل ذاهبة إلى تأسيس نظام فصل عنصريّ بين النهر والبحر.
واعتبر التجمّع أنّ النضال من أجل حقوق المواطنين الفلسطينيّين، بالمساواة القوميّة والمدنيّة والمواطنة الكاملة في دولة جميع مواطنيها، هو جزء لا يتجزّأ من نضال الشعب الفلسطينيّ من أجل حقوقه في وطنه، ولا ينفصل عنها، لذلك قام على عامود آخر بالإضافة للهويّة القوميّة، وهي الديمقراطيّة، ليس فقط لفضح التناقض في تعريف إسرائيل كدولة يهوديّة وديمقراطيّة واستحالة المساواة فيها بين المواطنين، بل أيضًا كخطاب ملازم للعدالة، وهي العامود الثالث في مشروع التجمّع.
لقد تحوّل الخطاب الديمقراطيّ جنبًا إلى جنب مع الخطاب الوطنيّ في الحالة الاستعماريّة الّتي نعيشها، إلى أداة هامّة ورئيسيّة في مواجهة نظام الفوقيّة العنصريّ الّذي يسيطر على الفلسطينيّين ما بين النهر والبحر.
إنّ الاحتجاجات الطلّابيّة في الجامعات الأميركيّة والغربيّة والمناخ العالميّ عمومًا بعد السابع من أكتوبر وحرب الإبادة في غزّة، تؤكّد على ضرورة تمسّك التجمّع بهذه القيم الإنسانيّة والخطاب الديمقراطيّ، فهذه ركيزة أساسيّة في أفق النضال الفلسطينيّ من أجل التحرّر، بعدما تحوّلت فلسطين إلى رمز للعدالة كما يعبّر عنها في الاحتجاجات والنضالات حول العالم. وهذا الخطاب، كذلك، هو الأقوى في مواجهة القمع والترهيب السياسيّ والخطاب الفاشي الّذي يهيمن على السياسة الإسرائيليّة وإعلامها ومؤسّساتها.
المرحلة المقبلة مصيريّة لعموم الشعب الفلسطينيّ، والتجمّع كجزء من الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، فإنّ دوره في الداخل في المرحلة الراهنة والمقبلة أساسيّ، سياسيًّا واجتماعيًّا، لذا، فإنّ نهضته التنظيميّة والحزبيّة في المؤتمر العامّ هي أولى الخطوات، لينفتح على قطاعات وشرائح جديدة، ويوسّع قاعدته ويستردّ دوره، ويستمرّ في صعود خطابه الوطنيّ الديمقراطيّ.
إنّ استعادة التجمّع لدوره ومكانته هي استعادة للعمل الوطنيّ والسياسيّ المنظّم والمثابر في ظلّ القمع والترهيب والملاحقة، وفي مواجهة نهج الصهينة والتنازل عن الكرامة والتفريط بالحقوق المدنيّة والقوميّة، وقد أصاب التجمّع في اختياره شعار “لأنّنا أصحاب البلاد… القضيّة قضيّتنا” في حملته للمؤتمر العامّ.
[ad_2]
Source link
Leave a Reply